السبت، 27 سبتمبر 2008

حديث العيد


حَــدِيثُ العِيْـد ،،
فلاح بن عبدالله الغريب




يا للّه ، ما أجمل طيف الخيال الحالم ، وما أبهى ليل الشتاء الساجي ، يوم أن يجترَّ الفؤاد حديثاً من الذكرى ، أو حنيناً من الماضي ، ويزداد الفؤاد الصادق ولوعاً بحديث الأشواق ،


يوم تحلو مؤانسة الأحباء ، ولقاء البعداء القرباء ، بعد نأي وفراق ، وبكاء واحتراق ، اكتوى بلهبه القلب ، وحكى عن حبّه الحب .




كيف لا ؟ والأعياد قد أشرعت أبوابها ، والقلوب قد سامرت أحبابها ، عندئذٍ قفز الى خاطري المكدود ، ما سطره مالئ الدنيا و شاغل الناس ( أبو الطيب المتنبي ) يوم أن قال ، وأغنى عن كلّ مقالٍ ما قال :




عيدٌ بأيّة حالٍ عدتَ يا عيـدُ ؟ = بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ ؟


أما الأحبة فالبيـداءُ دونهـم = فليت دونك بِيْداً دونها بيِْـدُ !!




إنها مشاعر الوجد المحرقة ، وحروف الوفاء المعبر ، وتباريح الرحيل الأليم ، وعبرة البكاء الخانقة .




عجباً لك أيها العيد ،


نقف أمامك بشموخ ، ونحن نشعر بذل خانق ، ونملأ وقتك بالإبتسامات ، لكنها لا تخلو من مرارة ، وتعلو ضحكات جميلات ، من قلوب تطفح بالحزن والأسى .




أيها العيد ،


بساط السنوات الممتد نقطعه في لحظات ، وحبل الذكريات الحافل يصرم بدمعات ، ورنة وفاء قد يهمس بها الفؤاد الى اللسان ، فتموت على شفاهنا ولمّا ننل منها المراد .




أيها العيد ،


هل أحدثك حديث السعداء ، وبهاء الأغنياء ؟


أم أحكي لك دمعةً من عينِ فقيرٍ جَرَتْ ، أو من مقلةِ يتيمٍ ترقرقتْ ؟


أو أحدّثك عن نسمةٍ جرّتْ من ذكرى راحلٍ أريجاً ، ومن حديثِ مُسِنٍّ عبيراً ؟




أيها العيد السعيد ،


منْ سعيد ، منْ تريد ، ما الجديد ؟ !!


منْ يا ترى ، هل يا ترى ، كم يا ترى ؟ !!




أيها العيد ،


من لغة العشاق عرفنا كلمة الحب ، ومع حديث الذكرى تاهت بنا الأطياف ، ومن زهور الوداع جنينا رحيق اللقاء . فماذا عنك أيها العيد ؟ والله لا أدري بما ستعود .




أيها العيد ،


هذه حروف عزفت من فؤاد واله حزين ، يعشق الحب ، ويحب العشق ، له في الترحال باع ، ومع الأشواق صراع ، إن نأى حنّّ ، وان استقر جنّ .




أيها العيد ،


بيني وبينك عهد ود لا ينقطع ، وسيل عتاب لا ينتهي ، ولكن عذرا ، لئن كنت بهجة ، فذاك إليك ، شرفك الله وأعطاك ، ورزقك وأعلاك .




أيها العيد السعيد البعيد ،


قفزت إلى خاطري بغداد ، فتوقف المداد ، وتذكرت فلسطين ، فاستيقظ الجرح الدفين ، وها أنا ذا أستنشق غبار المآذن المتراكمة ، والمساجد المتهاوية ، وأقف على طلل من المجد ، وأرض حماها الأبُ والجدّ ، وقد كبلت أسودها ، واستأسد قرودها ، ويا لنا من أمّة ، ما أكثر جراحها .. !!




هيه يا بغداد ، يا ذات المجد ، ويا أرض الخلافة ، ويا دار السلام ، ويا جنّة الدنيا ، ويا مهد الحضارة ، ويا موطن الخلافاء ، ويا موئل العلماء ، ويا تاج الديار ، ويا رمز الفخار ، ويا بلد الإسلام ، ويا أرض الفاتحين الكرام .




مدّي يداً للواله المشتاقِ = واحكي له عن قصّة الأشواقِ


وقفي بباب الذكريات لعلها = تطفي لهيب فؤاده الخفّاقِ


وتلفّعي ثوب العفاف فإنما = تسمو الحياة بعفّة العشّاقِ




إلى هنا ،


ويغص الفؤاد بحرقته ، والقلب بلوعته ، وتتقاذفني السنون إلى السنون ، وينكشف لي من التاريخ درس الإباء المكين ، ومعالم العزّ الآفلة ، وفضاء الأمجاد الفسيح ، وقصّة الصمود العجيبة ، وحروف الوفاء الأصيلة .




( بغدادُ ) واصطفّتْ حروفٌ خمسةٌ = وازدادتْ الزّفراتُ من أعماقي


وتراكضت خيلُ الوفاءِ أصيلةً = حول الرّصافة منبر الأشواقِ


يا غادة الحسن الأصيل وتاجَهُ = وربيبةَ المجد التليد الرّاقي


وبهاء أغنية الجمال ولحنها الـ = مُنسابَ في شهدٍ من الأذواقِ


يا كم شدا الغرّيد لحنَ مودةٍ = في ساحتيك على سنا الإشراقِ


وتطلّعت تلك المشاعر ترتوي = من رافديك وفيضك الدّفّاقِ




هذه الأبيات من تأليفي ، وهي مهداة لكل من يحب بلاد الرافدين المسلمة ، وجراحنـا النازفة ، ودموعنا الساخنـة ، ورنة الحزن لكلِّ نفثـةِ مصدورٍ ، أو زفرةِ مقهـورٍ ..




أيها العيد ،


عذراً ، ثمّ عذراً ، على جفوة العاشقين ، وأنين المكلومين ، ودموع المفجوعين .




فلما هلّ الهلال ، وتاه الجمال ، سامرني هلالك ، وخاطبني جمالك :


مهلاً يا أسير الأحزان ، فما أنا إلا بسمة مرسومة على شفتيك ، تبعث الأمل ، وتشحذ الهمم ، وتحكي الثبات ، لتستنشق عبير التفاؤل الفواح عند الصباح ، فاشدد عزيمتك ، وقوِّ شكيمتك ، فالكل ينظر إليك ، ويتباهى لناظريك




عندئذ ،


وقف اليراع عن المسير ، معارضاً رغبة الأمير ، ذلك الفؤاد الأسير ، فعجبا لتقلّب الأيام ، وتفاوت الآلآم ، ولم العجب ؟ والبدر قد غاب ، وأصبح كالسراب ، وعادت المواجع ، سائرة جيوشها ، فازّينَتْ عروشها ، وانقضى الحلم الجميل ، مع بزوغ شمس الأصيل ، عازفاً لحن الوفاء ، راسماً معنى البهاء .




وكلّ عيد ، وأنتم وأنا وبلاد المسلمين ،،


بخير ومنعة ، بإذن الله الكريم ..


دمتم بحفظ الله

0 التعليقات: