الخميس، 18 سبتمبر 2008

ليلة القدر

وقفات متفرقة مع ليلة القدر
نلاحظ أن شهر رمضان ما هو إلا أيام قلائل قال الله تعالى { أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } [ البقرة :184)
وقت ليلة القدر :
وردت أحاديث كثيرة في ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التمسوها في العشر الأواخر ، في الوتر) رواه البخاري ( 1912 ) وانظر ( 1913 ) ورواه مسلم ( 1167 ) وانظر ( 1165 )
وفي الأوتار منها بالذات ، أي ليالي : إحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع وعشرين ، وتسع وعشرين.
وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه : ( أنها ليلة سبع وعشرين ) واستنبط ذلك استنباطاً عجيباً من عدة أمور ، فقد ورد أن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة وجمع ابن عباس معهم وكان صغيراً فقالوا : إن ابن عباس كأحد أبنائنا فلم تجمعه معنا ؟ فقال عمر : إنه فتى له قلب عقول ، ولسان سؤول ، ثم سأل الصحابة عن ليلة القدر ، فأجمعوا على أنها من العشر الأواخر من رمضان ، فسأل ابن عباس عنها ، فقال : إني لأظن أين هي ، إنها ليلة سبع وعشرين ، فقال عمر : وما أدراك ؟ فقال : إن الله تعالى خلق السموات سبعاً ، وخلق الأرضين سبعاً ، وجعل الأيام سبعاً ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل الطواف سبعاً ، والسعي سبعاً ، ورمي الجمار سبعاً . فيرى ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين من خلال هذه الاستنباطات ، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس .
ومن الأمور التي استنبط منها أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين : أن كلمة فيها من قوله تعالى : ( تنزل الملائكة والروح فيها )
( هي الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر ) وهذا ليس عليه دليل شرعي ، فلا حاجة لمثل هذه الحسابات ، فبين أيدينا من الأدلة الشرعية ما يغنينا .
لكن كونها ليلة سبع وعشرين أمر غالب والله أعلم وليس دائماً ، فقد تكون أحياناً ليلة إحدى وعشرين ، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدّم ، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه كما تقدّم ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ) رواه البخاري 4/260.
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام ، قال النووي رحمه الله : ( وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها ) المجموع 6/450 .
أهمية قيام ليلة القدر:
أنها ليلة يحدد فيها مصير مستقبلك لعام قادم ففيها تنسخ الآجال , وفيها يفرق كل أمر حكيم. فاحرص أن تكون فيها ذاكرا لله ومسبحا له , أو قارئا للقرآن , أو قانتا لله , تسأله السعادة في الدنيا والآخرة , وإياك أن تكون فيها في مواطن الغفلة , كالأسواق ومدن الملاهي ومجالس اللغو فيفوتك خير كثير.
قال تعالى في سورة القدر : ( إنا أنزلناهُ في ليلةِ القدر *وما أدراكَ ما ليلةُ القدر * ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر * تَنَزلُ الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلِ أمر *سلامٌ هي حتى مطلع الفجر )
وقال تعالى في سورة الدخان : ( إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركةٍ إنا كنا مُنذٍرين * فيها يُفرَقُ كلُ أمرٍ حكيم )
فقيام ليلة القدر -وهي إحدى ليالي الوتر من العشر الأخير من رمضان- أفضل عند الله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وذلك لقوله تبارك وتعالى : ( ليلة القدر خير من ألف شهر) أي ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريبا .
ولو أصاب مسلم ليلة القدر فقامها لمدة عشرين سنة فإنه يكتب له بإذن الله ثواب يزيد على من عبد الله ألفا وستمائة وستة وستين سنة. أليس هذا عمرا إضافيا طويلا يسجل في صحيفتك لا تحلم أن يتحقق لك فتقوم به في الواقع؟
علامات ليلة القدر وفضلها :
علامات ليلة القدر :
1- أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع ، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام ، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنها تطلع يومئذ ٍ لا شعاع لها ) -رواه مسلم .
2- تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة ، قال تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4)
3- ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر ، وتكثر فيها السلامة من العذاب ، فهي سلام كلها ، قال تعالى { سلام هي حتى مطلع الفجر }
4- ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة ، ورواه الطيالسي في مسنده ، وسنده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليلة القدر ليلة طلقة ، لا حارة ولا باردة ، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة ) صحيح ابن خزيمة ( 2912 ) ومسند الطيالسي .
5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال : قولي : ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني ) رواه الإمام أحمد ، والترمذي (3513) ، وابن ماجة (3850) وسنده صحيح
فضائل ليلة القدر
وقيام ليلة القدر يكون إيماناً واحتساباً كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إيماناً واحتساباً‏.‏
والإيمان هو ‏:‏ التصديق بفضلها، والتصديق بمشروعية العمل فيها‏.‏ والعمل المشروع فيها هو الصلاة، والقراءة، والدعاء، والابتهال، والخشوع، ونحوذلك‏.‏‏.‏ فإن عليك أن تؤمن بأن الله أمر به، وشرعه، ورغب فيه، فمشروعيته متأكدة‏.‏
وإيمان المرء بذلك تصديقه بأن الله أمر به، وأنه يثيب عليه‏.‏
وقوله : ( إيماناً واحتسابا ) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه . فتح الباري 4/251 .
وأما الاحتساب‏:‏ فمعناه خلوص النية، وصدق الطوية، بحيث لا يكون في قلبه شك ولا تردد، وبحيث لا يريد من صلاته، ولا من قيامه شيئاً من حطام الدنيا، ولا شيئاً من المدح، ولا الثناء عليه، ولا يريد مراءاة الناس ليروه، ولا يمدحوه ويثنوا عليه، إنما يريد أجره من الله تعالى، فهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إيماناً واحتساباً‏.‏
وأما غفران الذنوب فإنه مقيد في بعض الروايات بغفران الخطايا التي دون الكبائر،
أما الكبائر فلابد لها من التوبة النصوح، فالكبائر يجب أن يتوب الإنسان منها، ويقلع عنها ويندم‏.‏
أما الصغائر فإن الله يمحوها عن العبد بمثل هذه الأعمال، والمحافظة عليها، ومنها‏:‏ صيام رمضان، وقيامه، وقيام هذه الليلة‏.‏
ويستحب كثرة الدعاء في هذه الليلة المباركة، لأنه مظنة الإجابة، ويكثر من طلب العفو والعافية كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث، فعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله، إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها‏؟‏، قال‏:‏ قولي‏:‏ اللهم إنك عفو كريم تُحب العفو فاعف عني‏.‏ .
والعفو معناه ‏:‏ التجاوز عن الخطايا، ومعناه ‏:‏ طلب ستر الذنوب، ومحوها وإزالة أثرها، وذلك دليل على أن الإنسان مهما عمل، ومهما أكثر من الحسنات فإنه محل للتقصير، فيطلب العفو فيقول‏:‏ يا رب اعف عني‏.‏ يا رب أسألك العفو‏.
.... اللهم بلغنا ليلة القدر بالعتق من النيران
اللهم اجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر ...

0 التعليقات: